عن أبو نوفل بن أبي عقرب: رأيت عبد الله بن الزبير على عقبة المدينة .
قال فجعلت قريش تمر عليه والناس .
حتى مر عليه عبد الله بن عمر .
فوقف عليه .
فقال : السلام عليك ، أبا خبيب ! السلام عليك ، أبا خبيب ! السلام عليك ، أبا خبيب ! أما والله ! لقد كنت أنهاك عن هذا .
أما والله ! لقد كنت أنهاك عن هذا .
أما والله ! لقد كنت أنهاك عن هذا .
أما والله ! إن كنت ، ما علمت ، صواما .
قواما .
وصولا للرحم .
أما والله ! لأمة أنت أشرها لأمة خير .
ثم نفذ عبد الله بن عمر .
فبلغ الحجاج موقف عبدالله وقوله .
فأرسل إليه .
فأنزل عن جذعه .
فألقي في قبور اليهود .
ثم أرسل إلى أمه أسماء بنت أبي بكر .
فأبت أن تأتيه .
فأعاد عليها الرسول : لتأتيني أو لأبعثن إليك من يسحبك بقرونك .
قال فأبت وقالت : والله ! لا آتيك حتى تبعث إلي من يسحبني بقروني .
قال فقال : أروني سبتي .
فأخذ نعليه .
ثم انطلق يتوذف .
حتى دخل عليها .
فقال : كيف رأيتني صنعت بعدو الله ؟ قالت : رأيتك أفسدت عليه دنياه ، وأفسد عليك آخرتك .
بلغني أنك تقول له : يا ابن ذات النطاقين ! أنا ، والله ! ذات النطاقين .
أما أحدهما فكنت أرفع به طعام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وطعام أبي بكر من الدواب .
وأما الآخر فنطاق المرأة التي لا تستغني عنه .
أما إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا " أن في ثقيف كذابا ومبيرا " فأما الكذاب فرأيناه .
وأما المبير فلا إخالك إلا إياه .
قال فقام عنها ولم يراجعها
------------------------------------------------
الراوي: أبو نوفل بن أبي عقرب المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 2545 خلاصة حكم المحدث: صحيح
------------------------------------------------
الشرح:
رأيت عبد الله بن الزبير على عَقَبَةِ المدينة: يريد على عقبة مكة واقعة في طريق أهل المدينة حين ينزلون مكة ، وكان عبد الله بن الزبير مصلوبا هناك بعد ان قتله الحجاج بن يوسف الثقفى و جنوده.
ولذا جعل له قبر في الحجون قريب العقبة ، لكنه غير ثابت ، وكذا سائر قبور الصحابة في مقبرة مكة ليس لها محل معين على وجه الصحة حتى تربة خديجة - رضي الله عنها - أيضا ، وإنما بنى عليها اعتمادا على رؤيا بعض الأولياء والله أعلم
والناس: أي وسائر الناس يمرون عليه أيضا
حتى مر عليه عبد الله بن عمر فوقف عليه قال : السلام عليك أبا خُبَيْبٍ ، بضم الخاء المعجمة وفتح الموحدة الأولى بعدها تحتية ساكنة ، كنية ابن الزبير كني بابنه خبيب أكبر أولاده ،
السلام عليك أبا خُبَيْبٍ ، السلام عليك أبا خُبَيْبٍ ، فيه استحباب تثليث السلام على الميت ولو قبل الدفن .
لقد كنت أنهاك عن هذا ، لقد كنت أنهاك عن هذا ، لقد كنت أنهاك عن هذا: المشار إليه بهذا صلبه ، والمعنى كنت أنهاك عما يؤدي إلى ما أراك فيه .
عَلِمْتُ: أي علمتك
صَوَّامًا: أي كثير الصيام في النهار
قَوَّامًا: كثير القيام في الليل
وَصُولًا: أي مبالغا في الصلة
لِلرَّحِمِ: أي للقرابة
وقد أراد ابن عمر بهذا القول براءة ابن الزبير مما نسب إليه الحجاج من قول عدو الله وظالم ونحوه ، وإعلام الناس بمحاسنه ، وأن ابن الزبير كان مظلوما ومرجوما وعاش سعيدا ومات شهيدا أما كرره تأكيدا
والله لأمة: أي لجماعة
أنت أَشَرُّهَا: أي اكثرهم شراً بزعمهم
لأمة خير: أي ان كنت انت بزعمهم اكثر الناس شراً ، فالخير بهذه الأمة عظيم
وأنت شرها صفتها أي : ولأمة أنت أكثر من وصل إليه شر الناس لأمة خير ، فالحكم فرضي وتقديري ، أوزعمي وادعائي على طريق الإنكاري .
ثم نَفَذَ: اى ذهب
موقف عبد الله ، وقوله: أي خبر وقوفه عليه ، وقوله في حقه لديه
فأرسل: أي الحجاج
إلى: أي إلى ابن الزبير
فَأُنْزِلَ: بصيغة المجهول
عن جذعه: أي المصلوب عليه
فَأُلْقِيَ: بصيغة المجهول أي فطرح
في قبور اليهود: أي في موضع قبورهم من سكان مكة ، أو من واديها من غير أهلها ، وهذا لا ينافي ما سبق من أنه مدفون في أعلى المعلى ; لأنه حمل بعد ذلك من ذلك المحل الأدنى ودفن في الموضع الأول .
ثم أرسل: أي الحجاج
إلى أمه أسماء بنت أبي بكر: أي يطلبها
فأبت أن تأتيه: أي فامتنعت من الإتيان إليه ، والوقوف لديه والسلام عليه ،
فأعاد عليها الرسول: أي قائدا على لسانه
لتأتيني: :بتشديد النون على صيغة الخطاب
أو لأبعثن إليك: أي لأرسلن إلى إتيانك إلي
من يسحبك: بفتح الحاء أي يجرك
بِقُرُونِكِ: أي بضفائر شعرك
والله لا آتيك: لا أجيئك
فقال: أي الحجاج
أروني سِبْتَيَّ: أي نعلي والمعنى ائتوني بهما أو قدموهما لي ، وكذا ضبطه النووي وقال : هي النعل التي لا شعر عليها
ففي النهاية : السبت بالكسر الجلود المدبوغة بالقرظ ، وهو بالتحريك ورق السلم يتخذ منها النعال أي : السبتية سميت بذلك لأن شعرها قد سبت عنها أي : حلق وأزيل . وقيل : لأنها انسبتت بالدباغ أي : لانت ، ويقال للنعل المتخذ منها سبت اتساعا ، ومنه : يا صاحب السبتين ، ويروى السبتيتين على النسب ، وقال أبو داود : منسوب إلى موضع يقال له : سوق السبت
فأخذ نعليه: أي فلبسهما
ثم انطلق يَتَوَذَّفُ: قال أبو عبيد : معناه يسرع ، وقيل : يتبختر
فقال : كيف رأيتني: أي كيف وجدتني
صنعت بعدو الله: أراد به ابنها على زعمه الفاسد ، واعتقاده الكاسد
رأيتك أفسدت عليه دنياه: اى بقتله
وأفسد عليك آخرتك: اى بما تنتظره من عذاء الله جزاء على قتله
بلغني أنك تقول له: أي في حياته أو بعد مماته
يا ابن ذات النِّطَاقَيْنِ: بكسر النون وهو ما تشد به المرأة وسطها عند معاناة الأشغال ، لترفع به ثوبها ، وسميت بذلك لأنها قطعت نطاقها نصفين عند مهاجرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وشدت بأحدهما قربته ، وبالآخر سفرته ، فسماها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومئذ ذات النطاقين ، وقيل : شدت بأحدهما سفرته ، وبالآخر وسطها للشغل ، وكان الحجاج من خبثه حمل قوله - صلى الله عليه وسلم - في حقها ذات النطاقين على الذم ، وأنها خدامة وخراجة ولاجة تشد نطاقها للخدمة ، فكأنها سلمت أنها ذات نطاقين ، ولكن نطاق ليس هذا شأنه
أنا والله ذات النطاقين : أما أحدهما ، فكنت أرفع به طعام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وطعام أبي بكر من الدواب: متعلق بأرفع أي أربط به سفرة طعامهما ، وأعلقها مرفوعة خشية من الدواب كالفأرة والذرة ونحوهما
وأما الآخر ، فنطاق المرأة التي لا تستغني عنه: إما لخدمتها المتعارفة في بيتها الممدوحة في حقها ، وإما لربطها في وسطها إبقاء لحالها خشية أن تصير بطونية ، كما هو الآن عادة العرب من الحزام ، المصنوع من الجلد للفقراء ، وألحقوا به المصنوع من الذهب والفضة للأغنياء
في ثقيف كذابا وَمُبِيرًا: أي مفسدا او مهلك او قاتل
فأما الكذاب فرأيناه: تعني المختار ، و هو شخص ادعى النبوة من ثقيف
وأما الْمُبِيرُ فلا إخالك: أي فلا أظنك
إلا إياه: أي ذلك الْمُبِيرُ
قال النووي : في سلام ابن عمر عليه وهو مصلوب استحباب السلام على الميت وتكريره ، وفيه الثناء على الموتى بجميل صفاتهم المعروفة ، وفيه منقبة عظيمة لابن عمر لقوله الحق في الملأ وعدم اكتراثه بالحجاج ; لأنه يعلم أن مقامه وثناءه عليه يبلغه ، فلم يمنعه ذلك أن يقول الحق ، ويشهد لابن الزبير بما يعلمه فيه من الخير ، وبطلان ما أشاع عنه الحجاج من قوله : عدو الله وظالم ونحوه ، فأراد ابن عمر - رضي الله عنهما - براءة ابن الزبير من الذي نسب إليه الحجاج ، وإعلام الناس بمحاسنه ، ومذهبنا أن ابن الزبير كان مظلوما انتهى
فقام عنها: أي الحجاج
فلم يُرَاجِعْهَا: أي فلم يردها في الكلام ، ثم إنها ماتت بعد قتل ابنها بعشرة أيام ، ولها مائة سنة ولم يقع لها سن
و الله تعالى اعلم
للمزيد
المصدر : http://ahadith01.blogspot.com/