قَوْلُهُ: "يَتَبَوَّأُ مَعْقَدَهُ مِنَ النَّارِ" أَيْ: يَلْزمُهُ وَيُقيمُ فيهِ، وَقَدْ ذُكِرَ (¬67).
قَوْلُهُ تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} (¬68) أَصْلُهُ: مِنْ شُرْتُ العَسَلَ: إِذَا استخْرَجتَهُ مِنَ الخلِيَّةِ، وَهِيَ: بَنتُ النَّخلِ، كَأَنَّهُ يَسْتَخرِجُ ما عِنْدَهُ مِنَ الرَّأْىِ، وَقَدْ ذُكِرَ (¬69).
قَوْلُهُ: "قَلَّدَ غَيْرَهُ" (¬70) التَّقْليدُ فِى الفُتْيَا وَالحُكْمِ وَالقِبْلَةِ وَغيْرِها: مَأْخُوذٌ مِنَ الْقِلادَةِ الَّتى تكونُ فِى العُنُقِ، كَأنَّ العامِّىَّ يَجعَلُ ما يَلْحَقُهُ مِنْ عُهْدَةِ العَمَلِ وَالإثْمِ الَّذى يَعْمَلُ فيهِ بفَتْوَى العالِمِ وَقَضاء القاضِى فِى عُنُقِ المُفْتِى وَالقَاضِى وَيَتَخلصُ مِنْ مَأثمِهِ؛ لأنَّ الأَعْمالَ تُوصَفُ بكَونِها فِى الأَعْناقِ، قالَ اللهُ تَعالَى: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ} (¬71) جَاءَ فِى التَّفْسيرَ أَنَّهُ عَمَلُهُ (¬72). وَإِن اجْتَهَدَ وَبَذَلَ الْجُهْدَ فَأَخْطَأَ فَلا وِزْرَ عَلَيْهِ، وَلَهُ أَجْرٌ، وَإِنْ تعَمَّدَ الفَتْوَى بِغيْرِ الْحَقِّ، أَوْ أَخْطَأ وَلَم يَجْتَهِدْ فِى فَتْوَاهُ كانَ عَلَيْهِ وِزْرٌ، ولا شَيىْءَ عَلى المُستَفْتِى، وَيَدُل عَلَيْهِ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلامُ: "إِذا اجْتَهَدَ الْحاكمُ فَأَصابَ فَلَهُ أَجْرانِ وَإِن أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْر" (¬73).
قَوْلُهُ: "أَوْلَى مِنَ التَّمادِى فِى الْباطِلِ" (¬74) التَّمادِى: اللَّجاجُ فِى الشَّيْىءِ وَالإِقامَة عَلَيْهِ، يُقالُ: تَمادَى فِى غَيِّهِ: إِذا أَقامَ عَلَيْهِ وَلَجَّ فِى اتِّباعِهِ.
¬__________
(¬66) الفرق لقطرب 52، والفرق لأبي حاتم 31، والمخصص 8/ 132.
(¬67) 1/ 158، 2/ 191.
(¬68) سورة آل عمران آية 159.
(¬69) 1/ 56، 2/ 96.
(¬70) إن كان الحكم بين مسافرين، وهم على الخروج ولم يتضح له الحكم: قلد غيره. المهذب 2/ 297.
(¬71) سورة الإسراء آية 13.
(¬72) تفسير الطبري 15/ 50، 51، ومعاني الفراء 2/ 118، ومعاني الزجاج 3/ 230.
(¬73) سنن أبي داود 3/ 299، ومعالم السنن 4/ 160.
(¬74) في كتاب عمر إلى أبي موسى رضي الله عنهما: "وإن الرجوع إلى الحق أولى من التمادي في الباطل" المهذب 2/ 297.