أَصْلُ الشَّهادَةِ: الْحُضورُ، مِنْ قَوْلهِمْ: شَهِدَ الْمكانَ، وَشَهِدَ الْحَرْبَ، أَيْ: حَضَرها، وَالْمُشاهَدَةُ: الْمُعايَنَةُ مَعْ الْحضورِ، وَالشَّهادَةُ: خَبَرُ قَطْع بِما حَضَرَ وَعايَنَ، ثُمَّ قَدْ يَكونُ بِما عُلِم وَاسْتفاضَ. وَقيلَ: إِنَّ الشَّهادَةَ مَأخوذة مِنَ الْعِلْمِ مِنْ قَوْلِهِ تَعالَى: {شَهِدَ اللَّهُ} (¬1) قيلَ: عَلِمَ وَبَيَّنَ (¬2)، كَأنَّ الشّاهِدَ يُبَيِّنُ ما يُوجِبُ حُكْمَ الحاكِمِ.
قَوْلُهُ: "شَهِدَ أَبو بَكْرَةَ وَنافِعٌ" (¬3) وَزِيادٌ (¬4): هُمْ أُخْوَةٌ، أُمُّهُمْ سُمَيَّةُ جارِيَةٌ لِلْحارِثِ بْنِ كَلَدَةَ الثَّقَفِىِّ (¬5)، وَكانَ أَبُو بَكْرَةَ يُنْسَبُ فِى الْمَوَالِى (¬6). قالَ الْبَيْهَقِىُّ (¬7): أَبو بَكْرَةَ بْنُ مَسْروح، وَقيلَ: اسْمُهُ نُفَيْعُ بْنُ الْحارِثِ، وَنافِعٌ ينسَبُ إِلَى الْحارِثِ، وَزِيادٌ يُنْسَبُ إِلى أَبى سُفْيانَ بْنِ حَرْبٍ، وَصَدَّقَهُ مُعاوِيَةُ رَضِي اللهُ عَنْهُ، وانتفَى عَنْ أَبيهِ عُبَيْدٍ (¬8) زَوْجِ سُمَيَّةَ أَمِّهِ، فَهَجَرَهُ أَخوهُ أَبو بَكْرَةَ إِلى
¬__________
(¬1) سورة آل عمران آية 18.
(¬2) قال الزجاج: قال أبو عبيدة: معنى {شَهِدَ اللَّهُ} قضى الله، وحقيقته أنه علم وبين الله؛ لأن الشاهد هو العالم الذي يبين ما علمه. معاني القرآن وإعرابه 1/ 385، وانظر مجاز القرآن 1/ 89.
(¬3) شهد أبو بكرة ونافع وشبل بن معبد على المغيرة بن شعبة بالزنا عند عمر - رضي الله عنه - فلم ينكر عمر ولا غيره من الصحابة عليهم ذلك. المهذب 2/ 323.
(¬4) أي: وزيادة رابعهم وهو الذي تلجلج في الشهادة.
(¬5) انظر العقد الفريد 5/ 4 - 3، ووفيات الأعيان 2/ 294.
(¬6) ولدت سمية للحارث بن كلدة أبا بكرة فأنكر لونه، وقيل له: إن جاريتك بغى فانتفى من أبي بكرة ومن نافع وزَوَّجَها عُبَيْدا، عبدا لابنته فولدت على فراشه زيادا، فلما كان يوم الطائف نادى منادى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أيما عبد نزل فهو جر وولاؤه لله ورسوله فنزل أبو بكرة وأسلم ولحق بالنبى - صلى الله عليه وسلم -.
(¬7) .......................
(¬8) ع: غبيل تحريف.